web statistics
كتاب: أخلاق العلماء - متجر أبوعلوة lj[v hf,ug,m
متجر أبوعلوة lj[v hf,ug,m

tags.

عدد  مرات الظهور : 182,079,371

العودة   متجر أبوعلوة lj[v hf,ug,m > متجر أبو علوة > الارشيف تجميع مواضيع المنتدى السابقة

الارشيف تجميع مواضيع المنتدى السابقة ارشيف قديم

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 01-23-2013, 09:30 AM   #1
حنان طه
تربوي جديد
 
تاريخ التسجيل: Jan 2013
المشاركات: 7
كتاب: أخلاق العلماء

أوصاف العلماء الذين نفعهم الله بالعلم في الدنيا والآخرة

باب أوصاف العلماء الذين نفعهم الله بالعلم في الدنيا والآخرة
قال محمد بن الحسين: لهذا العالم صفات وأحوال شتى ومقامات لا بد له من استعمالها، فهو مستعمل في كل حال ما يجب عليه، فله صفة في طلبه للعلم كيف يطلبه، وله صفة في كثيرة العلم إذا كثر عنده ما الذي يجب عليه فيه فيلزمه نفسه، وله صفة إذا جالس العلماء كيف يجالسهم، وله صفة إذا تعلم من العلماء كيف يتعلم، وله صفة كيف يعلم غيره، وله صفة إذا ناظر في العلم كيف يناظر، وله صفة إذا أفتى الناس كيف يفتي، وله صفة كيف يجالس الأمراء إذا ابتلي بمجالستهم، ومن يستحق أن يجالسه ومن لا يستحق، وله صفة عند معاشرته لسائر الناس ممن لا علم معه، وله صفة كيف يعبد الله عز وجل فيما بينه وبينه.
وقد أعد لكل حق يلزمه ما يقويه على القيام به، وقد أعد لكل نازلة ما يسلم به

من شرها في دينه، عالم بما يجتلب به الطاعات، عالم بما يدفع به البليات، قد اعتقد الأخلاق السنية، واعتزل الأخلاق الدنية.
ذكر صفته في طلب العلم
فمن صفته لإرادته في طلب العلم أن يعلم أن الله عز وجل فرض عليه عبادته، والعبادة لا تكون إلا بعلم، وعلم أن العلم فريضة عليه، وعلم أن المؤمن لا يحسن به الجهل، فطلب العلم لينفي عن نفسه الجهل، وليعبد الله عز وجل كما أمره ليس كما تهوى نفسه، فكان هذا مراده في السعي في طلب العلم، معتقدًا للإخلاص في سعيه، لا يرى لنفسه الفضل في سعيه، بل يرى لله عز وجل الفضل عليه إذ وفقه لطلب علم ما يعبده به، من أداء فرائضه واجتناب محارمه.
ذكر صفته في مشيه إلى العلماء
يمشي برفق وحلم ووقار وأدب، مكتسب في مشيه كل خير، تارة يحب الوحدة فيكون للقرآن تاليًا وتارة بالذكر مشغولًا، وتارة يحدث نفسه بنعم الله عز وجل عليه ويقتضي منها الشكر، ويستعيذ بالله من شر سمعه وبصره ولسانه ونفسه وشيطانه. فإن بلي بمصاحبة الناس في طريقه لم يصاحب إلا من يعود عليه نفعه. قد أقام الأصحاب مقام ثلاثة: إما رجل يتعلم منه خيرًا إن كان أعلم منه، أو رجل هو مثله في العلم فيذاكره العلم لئلا ينسى ما لا ينبغي أن ينساه، أو رجل هو أعلم منه فيعلمه يريد الله عز وجل بتعليمه إياه, لا يمل من أصحابه لكثرة صحبه, بل يحب ذلك لما يعود عليه من بركته، قد شغل نفسه بهذه الخصال، خائف على نفسه أن يشتغل بغير الحق، قد أجمع الحذر من عدوه الشيطان كراهية أن يزين له قبيح ما نهي عنه، يكثر الاستعاذة بالله من علم لا ينفع، ويسأله علمًا نافعًا. همه في تلاوة كلام الله عز وجل الفهم عن الله فيما أمر ونهى، وفي حفظ السنن والآثار والفقه لئلا يضيع ما أمر به، ولأن يتأدب بالعلم.
طويل السكوت عما لا يعنيه حتى يشتاق جليسه إلى حديثه. وإن ازداد علمًا خاف من ثبات الحجة، فهو مشفق في علمه, كلما ازداد علمًا ازداد إشفاقًا. إن فاته سماع علم قد سمعه غيره فحزن على فوته، لم يكن حزنه بغفلة حتى يواقف نفسه ويحاسبها على الحزن، فيقول: لِم َحزنت؟ احذري يا نفس أن يكون الحزن عليك لا لك، إذا سمعه غيرك فلم تسمعيه أنت، فكان أولى بك أن تحزني على علم قد قرع السمع، وقد ثبتت عليكِ به الحجة، فلم تعملي به، فكان حزنك على ذلك أولى من حزنك على علم لم تسمعيه، ولعلك لو قدر لك سماعه كانت الحجة عليك أوكد، فاستغفر الله من حزنه، وسأل مولاه الكريم أن ينفعه بما قد سمع.
صفة مجالسته للعلماء
فإذا أحب مجالسة العلماء جالسهم بأدب وتواضع في نفسه، وخفض صوته عند صوتهم، وسألهم بخضوع؛ ويكون أكثر سؤاله عن علم ما تعبد الله به، ويخبرهم أنه فقير إلى علم ما يسأل عنه. فإذا استفاد منهم علمًا أعلمهم أني قد أفدتُ خيرًا كثيرًا، ثم شكرهم على ذلك. وإن غضبوا عليه لم يغضب عليهم، ونظر إلى السبب الذي من أجله غضبوا عليه، فرجع عنه واعتذر إليهم. لا يضجرهم في السؤال، رفيق في جميع أموره. لا يناظرهم مناظرة من يريهم أني أعلم منكم، وإنما همته البحث لطلب الفائدة منهم مع حسن التلطف لهم. لا يجادل العلماء، ولا يماري السفهاء، يحسن التأني للعلماء مع توقيره لهم، حتى يتعلم ما يزداد به عند الله فهمًا في دينه.
صفته إذا عرف بالعلم
فإذا نشر الله له الذكر عند المؤمنين أنه من أهل العلم، واحتاج الناس إلى ما عنده من العلم، ألزم نفسه التواضع للعالم وغير العالم، فأما تواضعه لمن هو مثله في العلم فإنها محبة تنبت له في قلوبهم، وأحبوا قربه، وإذا غاب عنهم حنت إليه قلوبهم.
وأما تواضعه للعلماء فواجب عليه إذ أراه العلم ذلك. وأما تواضعه لمن هو دونه في العلم فشرف العلم له عند الله، وعند أولي الألباب، وكان من صفته في علمه وصدقه وحسن إرادته، يريد الله بعلمه. فمن صفته أنه لا يطلب بعلمه شرف منزلة عند الملوك ولا يحمله إليهم, صائن للعلم إلا عن أهله, ولا يأخذ عن العلم ثمنًا، ولا يستقضي به الحوائج, ولا يقرب أبناء الدنيا ويباعد الفقراء ويتجافى عن أبناء الدنيا. يتواضع للفقراء والصالحين ليفيدهم العلم؛ وإن كان له مجلس قد عرف بالعلم ألزم نفسه حسن المداراة لمن جالسه، والرفق بمن ساءله، واستعمال الأخلاق الجميلة، ويتجافى عن الأخلاق الدنية.
فأما أخلاقه مع مجالسيه: فصبور على من كان ذهنه بطيئًا عن الفهم حتى يفهم عنه، صبور على جفاء من جهل عليه حتى يرده بحلم. يؤدب جلساءه بأحسن ما يكون من الأدب، لا يدعهم يخوضون فيما لا يعنيهم، ويأمرهم بالإنصات مع الاستماع إلى ما ينطق به من العلم. فإن تخطى أحدهم إلى خلق لا يحسن بأهل العلم، لم يجبه في وجهه على جهة التبكيت له، ولكن يقول: لا يحسن بأهل العلم والأدب كذا وكذا. وينبغي لأهل العلم أن يتجافوا كذا وكذا، فيكون الفاعل لخلق لا يحسن قد علم أنه المراد بهذا فيبادر برفقه به. إن سأله منهم سائل عما لا يعنيه رده عنه، وأمره أن يسأل عما يعنيه، فإذا علم أنهم فقراء إلى علم قد أغفلوه عنه أبداه إليهم، وأعلمهم شدة فقرهم إليه.
لا يعنف السائل بالتوبيخ القبيح فيخجله، ولا يزجره فيضع من قدره، ولكن يبسطه في المسألة ليجبره فيها، قد علم بغيته عما يعنيه. ويحثه على طلب علم الواجبات، من علم أداء فرائضه واجتناب محارمه. يقبل على من يعلم أنه محتاج إلى علم ما يسأل عنه، ويترك من يعلم أنه يريد الجدل والمراء. يقرب عليهم ما يخافون بعده بالحكمة والموعظة الحسنة. يسكت عن الجاهل حلمًا وينشر الحكمة نصحًا. فهذه أخلاقه لأهل مجلسه وما شاكل هذه الأخلاق.
وأما ما يستعمل مع من يسأله عن العلم والفتيا، فإن من صفته إذا سأله سائل عن مسألة، فإن كان عنده علم أجاب، وجعل أصله أن الجواب من كتاب أو سنة أو إجماع، فإذا أوردت عليه مسألة قد اختلف فيها أهل العلم اجتهد فيها، فما كان
أشبه بالكتاب والسنة والإجماع، ولم يخرج به من قول الصحابة وقول الفقهاء بعدهم، قال به إذا كان موافقًا لقول بعض الصحابة وقول بعض أئمة المسلمين، قال به؛ وإن كان قد رآه مما يخالف به قول الصحابة وقول فقهاء المسلمين حتى يخرج عن قولهم لم يقل به، واتهم رأيه، ووجب عليه أن يسأل من هو أعلم منه أو مثله حتى ينكشف له الحق، ويسأل مولاه أن يوفقه لإصابة الخير والحق.
وإذ سئل عن علم لا يعلمه لم يستح أن يقول: لا أعلم. وإذا سئل عن مسألة فعلم أنها من مسائل الشغب، ومما يورث بين المسلمين الفتنة استعفى منها، ورد السائل إلى ما هو أولى به على أرفق ما يكون، وإن أفتى بمسألة فعلم أنه أخطأ لم يستنكف أن يرجع عنها. وإن قال قولًا فرده عليه غيره ممن هو أعلم منه أو مثله أو دونه فعلم أن القول كذلك، رجع عن قوله وحمده على ذلك وجزاه خيرًا.
وإن سئل عن مسألة اشتبه القول عليه فيها، قال: سلوا غيري، ولم يتكلف ما لا يتقرر عليه. يحذر من المسائل المحدثات في البدع, لا يصغي إلى أهلها بسمعه، ولا يرضى بمجالسة أهل البدع ولا يماريهم، أصله الكتاب والسنة وما كان عليه الصحابة ومن بعدهم من التابعين ومن بعدهم من أئمة المسلمين.
يأمر بالاتباع وينهى عن الابتداع. لا يجادل العلماء ولا يماري السفهاء. همه في تلاوة كلام الله الفهم, وفي سنن الرسول -صلى الله عليه وسلم- الفقه؛ لئلا يضيع ما لله عليه. وليعلم كيف يتقرب إلى مولاه، مذكر للغافل معلم للجاهل، يضع الحكمة عند أهلها، ويمنعها من ليس بأهلها. مثله مثل الطبيب يضع الدواء بحيث يعلم أنه ينفع.
فهذه صفته وما يشبه هذه الأخلاق الشريفة, إذ كان الله عز وجل قد نشر له الذكر بالعلم في قلوب الخلق، فكلما ازداد علمًا ازداد لله تواضعًا، يطلب الرفعة من الله عز وجل، مع شدة حذره من واجب ما يلزمه من العلم.
ذكر صفة مناظرة هذا العالم إذا احتاج إلى المناظرة
قال محمد بن الحسين: اعلموا -رحمكم الله ووفقنا وإياكم للرشاد- أن من صفة هذا العالم العاقل الذي فقهه الله في الدين، ونفعه بالعلم أن لا يجادل ولا يماري، ولا يغالب بالعلم إلا من يستحق أن يغلبه بالعلم الشافي، وذلك يحتاج في وقت من
الأوقات إلى مناظرة أحد من أهل الزيغ؛ ليدفع بحقه باطل من خالف الحق، وخرج عن جماعة المسلمين، فتكون غلبته لأهل الزيغ تعود بركة على المسلمين، على جهة الاضطرار إلى المناظرة لا على الاختيار؛ لأن من صفة العالم العاقل أن لا يجالس أهل الأهواء ولا يجادلهم، فأما في العلم والفقه وسائر الأحكام فلا.
فإن قال قائل: فإن احتاج إلى علم مسألة قد أشكل عليه معرفتها لاختلاف العلماء فيها، لا بد له من أن يجالس العلماء ويناظرهم، حتى يعرف القول فيها على صحته، وإن لم يناظر لم تقو معرفته.
قيل له: بهذه الحجة يدخل العدو على النفس المتبعة للهوى، فتقول: إن لم تناظر وتجادل لم تفقه، فيجعل هذا سببًا للجدل والمراء المنهي عنه، الذي يخاف منه سوء عاقبته الذي حذرناه النبي -صلى الله عليه وسلم-، وحذرناه العلماء من أئمة المسلمين.
38- وروي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "من تراك المراء وهو صادق, بنى الله له بيتًا في وسط الجنة".
39- وعن مسلم بن يسار أنه كان يقول: إياكم والمراء، فإنها ساعة جهل العالم، وبها يبتغي الشيطان زلته.
40- وعن الحسن قال: ما رأينا فقيهًا يماري.
وعن الحسن أيضًا قال: المؤمن يداري ولا يماري، ينشر حكمة الله، فإن قبلت حمد الله، وإن ردت حمد الله.
41- وروي عن معاد بن جبل أنه قال: إذا أحببت أخًا فلا تمارِه, ولا تشارِّه, ولا تمازحه.
قال محمد بن الحسين: وعند الحكماء أن المراء أكثره يغير قلوب الإخوان،
ويورث التفرقة بعد الألفة، والوحشة بعد الأنس.
42- وعن أبي أمامة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما ضل قوم بعد هدًى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل".
فالمؤمن العالم العاقل يخاف على دينه من الجدل والمراء.
فإن قال قائل: فما يصنع في علم قد أشكل عليه؟.
قيل له: إذا كان كذلك، وأراد أن يستنبط علم ما أشكل عليه، قصد إلى عالم ممن يعلم أنه يريد بعلمه الله ممن يرتضي علمه وفهمه وعقله، فذاكره مذاكرة من يطلب الفائدة، وأعلمه: أن مناظرتي إياك مناظرة من يطلب الحق، وليست مناظرة مغالب، ثم ألزم نفسه الإنصاف له في مناظرته، وذلك أنه واجب عليه أن يحب صواب مناظره، ويكره خطأه، كما يحب ذلك لنفسه ويكره له ما يكره لنفسه، ويعلمه أيضًا: إن كان مرادك في مناظرتي أن أخطئ الحق وتكون أنت المصيب، ويكون أنا مرادي أن تخطئ الحق وأكون أنا المصيب، فإن هذا حرام علينا فعله؛ لأن هذا خلق لا يرضاه الله منا، وواجب علينا أن نتوب من هذا.
فإن قال: فكيف نتناظر؟ قيل له: مناصحة. فإن قال: كيف المناصحة؟ أقول له: لما كانت مسألة فيما بيننا، أقول أنا: إنها حلال، وتقول أنت: إنها حرام، فحكمنا جميعًا أن نتكلم فيها كلام من يطلب السلامة، مرادي أن ينكشف لي على لسانك الحق فأصير إلى قولك، أو ينكشف لك على لساني الحق فتصير إلى قولي مما يوافق الكتاب والسنة والإجماع، فإن كان هذا مرادنا رجوت أن تحمد عواقب هذه المناظرة ونوفق للصواب، ولا يكون للشيطان فيما نحن فيه نصيب.
ومن صفة هذا العالم العاقل: إذا عارضه في مجلس العلم والمناظرة بعض من يعلم أنه يريد مناظرته للجدل والمراء والمغالبة, لم يسعه مناظرته؛ لأنه قد علم أنه إنما يريد أن يدفع قوله وينصر مذهبه، ولو أتاه بكل حجة مثلها يجب أن يقبلها لم يقبل ذلك ونصر قوله.

ومن كان هذا مراده لم تؤمن فتنته ولم تحمد عواقبه، ويقال لمن مراده في المناظرة والمغالبة والجدل: أخبرني إذا كنت أنا حجازيًّا وأنت عراقيًّا، وبيننا مسألة على مذهبي أقول أنا: إنها حلال، وعلى مذهبك أنها حرام، فسألتني المناظرة لك عليها وليس مرادك في مناظرتك الرجوع عن قولك، والحق عندك أن أقول فيها قولك، وكان عندي أنا أن أقول، وليس مرادي في مناظرتي الرجوع عما هو عندي، وإنما مرادي أن أرد قولك ومرادك أن ترد قولي، فلا وجه لمناظرتنا فالأحسن بنا السكوت على ما تعرف من قولك وعلى ما أعرف من قولي، وهو أسلم لنا وأقرب إلى الحق الذي ينبغي أن نستعمله.
فإن قال: وكيف ذلك؟ قيل: لأنك تريد أن أخطئ الحق وأنت على الباطل، ولا أوفق للصواب ثم تسر بذلك وتبتهج به، ويكون مرادي فيك كذلك، فإذا كنا كذلك فنحن قوم سوء لم نوفق للرشاد، وكان العلم علينا حجة، وكان الجاهل أعذر منا.
قال محمد بن الحسين: وأعظم من هذا كله أنه ربما احتج أحدهما بسنة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على خصمه فيردها عليه بغير تمييز، كل ذلك يخشى أن تنكسر حجته حتى إنه لعله أن يقول بسنة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثابتة، فيقول: هذا باطل، وهذا لا أقول به، فيرد سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- برأيه بغير تمييز. ومنهم من يحتج في مسألة بقول صحابي، فيرد عليه خصمه ذلك، ولا يلتفت إلى ما يحتج عليه، كل ذلك نصرة منه لقوله، لا يبالي أن يرد السنن والآثار.
قال محمد بن الحسين: من صفة الجاهل الجدل والمراء والمغالبة، ونعوذ بالله ممن هذا مراده.
ومن صفة العالم العاقل: المناصحة في مناظرته، وطلب الفائدة لنفسه ولغيره، كثر الله في العلماء مثل هذا، ونفعهم بالعلم وزينهم بالحلم.
ذكر أخلاق هذا العالم ومعاشرته لمن عاشره من سائر الخلق
قال محمد بن الحسين: من كانت صفاته في علمه ما تقدم ذكرنا له من أخلاقه -والله أعلم- أن يأمن شره من خالطه، ويأمل خيره من صاحبه، لا يؤخذ
بالعثرات، ولا يشيع الذنوب عن غيره، ولا يقطع بالبلاغات، ولا يفشي سر من عاداه، ولا ينتصر منه بغير حق، ويعفو ويصفح عنه, ذليل للحق، عزيز عن الباطل، كاظم للغيظ عمن آذاه، شديد البغض لمن عصى مولاه، يجيب السفيه بالصمت عنه والعالم بالقبول منه، لا مداهن, ولا مشاحن، ولا مختال، ولا حسود، ولا حقود، ولا سفيه، ولا جاف، ولا فظ، ولا غليظ، ولا طعان ولا لعان، ولا مغتاب ولا سباب، يخالط من الإخوان من عاونه على طاعة ربه ونهاه عما يكره مولاه، ويخالق بالجميل من لا يأمن شره إبقاء على دينه، سليم القلب للعباد من الغل والحسد، يغلب على قلبه حسن الظن بالمؤمنين في كل ما أمكن فيه العذر، لا يحب زوال النعم عن أحد من العباد، يداري جهل من عامله برفقه، إذا تعجب من جهل غيره ذكر أن جهله أكثر فيما بينه وبين ربه عز وجل, لا يتوقع له بائقة ولا يخاف منه غائلة؛ الناس منه في راحة ونفسه منه في جهد.
ذكر أخلاق هذا العالم وأوصافه فيما بينه وبين ربه عز وجل
قال محمد بن الحسين: جميع ما تقدم ذكرنا له مما ينبغي للعالم أن يستعمل من الأخلاق الشريفة، كلها تجري له بتوفيق من مولاه الكريم، ومن جرى له التوفيق بما ذكرنا كان استعماله للأخلاق الشريفة فيما بينه وبين ربه عز وجل أعظم شأنًا مما ذكرت، مما قد أوصله مولاه الكريم إلى قلبه، يمتعه بها شرفًا له بما خصه من علمه، إذ جعله وارث علم الأنبياء، وقرة عين الأولياء، وطبيبًا لقلوب أهل الجفاء.
فمن صفته أن يكون لله شاكرًا وله ذاكرًا، دائم الذكر بحلاوة حب المذكور، منعم قلبه بمناجاة الرحمن، يعد نفسه مع شدة اجتهاده خاطئًا مذنبًا، ومع الدءوب على حسن العمل مقصرًا. لجأ إلى الله عز وجل فقوى ظهره، ووثق بالله فلم يخف غيره، مستغنٍ بالله عن كل شيء، ومفتقر إلى الله في كل شيء، أنسه بالله وحده، ووحشته ممن يشغله عن ربه، إن ازداد علمًا خاف توكيد الحجة، مشفق على ما مضى من صالح عمله أن لا يقبل منه. همه في تلاوة كلام الله الفهم عن
مولاه، وفي سنن الرسول -صلى الله عليه وسلم- الفقه لئلا يضيع ما أُمر به، متأدب بالقرآن والسنة، لا ينافس أهل الدنيا في عزها، ولا يجزع من ذلها، يمشي على الأرض هونًا بالسكينة والوقار، ومشتغل قلبه بالفهم والاعتبار. إن فرغ قلبه عن ذكر الله فمصيبة عنده عظيمة، وإن أطاع الله عز وجل بغير حضور فهم فخسران عنده مبين.
يذكر الله مع الذاكرين، ويعتبر بلسان الغافلين، عالم بداء نفسه، ومتهم لها في كل حال، اتسع في العلوم فتراكمت على قلبه الفهوم، فاستحى من الحي القيوم، وشغله بالله، في جميع سعيه متصل، وعن غيره منفصل.
فإن قال قائل: فهل لهذا النعت الذي نعت به العلماء ووصفتهم به أصل في القرآن أو السنة أو أثر عمن تقدم؟.
قيل له: نعم, وسنذكر منه ما يدل على ما قلناه -إن شاء الله-.
قال الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا, وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا, وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا,} [الإسراء: 107 - 109].
أفلا ترى -رحمك الله- كيف وصف العلماء بالبكاء والخشية والطاعة والتذلل فيما بينه وبينهم.
43- أخبرنا أبو بكر، أخبرنا الفريابي، أخبرنا أبو بكر بن أبي شيبة، أخبرنا أبو أسامة، عن مسعر، قال: سمعت عبد الأعلى التيمي يقول: من أُوتي من العلم ما لا يبكيه فخليق أن لا يكون أُوتي علمًا ينفعه؛ لأن الله عز وجل نعت العلماء وقرأ: {إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ} إلى قوله: {يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا}.
44- أخبرنا أبو بكر, حدثني عمر بن أيوب السقطي، أخبرنا أبو همام ، أخبرنا جعفر بن عون، أخبرنا أبو عميس، عن عون بن عبد الله، قال: قال عبد الله بن مسعود: منهومان لا يشبعان: صاحب العلم وصاحب الدنيا ولا يستويان، أما صاحب العلم فيزداد رضًا لله؛ وأما صاحب الدنيا فيزداد في الطغيان. قال: ثم قرأ عبد الله: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28] ثم قرأ للآخر: {كَلاَّ إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى, أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} [العلق: 6,7].
45- أخبرنا أبو بكر، أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي، أخبرنا قطن بن نسير، أخبرنا جعفر بن سليمان، عن مطر الوراق في قول الله عز وجل: {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} [البقرة: 269]، قال: بلغنا أن الحكمة خشية الله والعلم به.
46- أخبرنا أبو بكر، أخبرنا أبو عبد الله أحمد بن الحسين بن عبد الجبار الصوفي، أخبرنا محمد بن بكار، أخبرنا عبيدة بن حميد، عن الأعمش، عن عبد الله بن مرة، قال: قال مسروق: بحسب امرئ من العلم أن يخشى الله، وبحسب امرئ من الجهل أن يعجب بعلمه.
47- أخبرنا أبو بكر، أخبرنا أبو العباس أحمد بن زنجويه, أخبرنا هشام بن عمار الدمشقي، أخبرنا الوليد بن مسلم، أخبرنا الأوزاعي، قال: سمعت يحيى بن أبي كثير يقول: العالم من خشي الله، وخشية الله الورع.
48- أخبرنا أبو بكر، أخبرنا أبو الحسن علي بن إسحاق بن زاطيا، أخبرنا عبد الله بن عمر القواريري، أخبرنا حماد بن زيد، قال: سمعت أيوب يقول: ينبغي للعالم أن يضع الرماد على رأسه تواضعًا لله عز وجل.
49- أخبرنا أبو بكر، أخبرنا أبو الفضل جعفر بن محمد الصندلي، أخبرنا أبو بكر بن زنجويه، أخبرنا نعيم بن حماد، عن ابن المبارك، عن زائدة، عن هشام، عن الحسن قال: إن كان الرجل إذا طلب العلم لم يلبث أن يرى ذلك في تخشعه وبصره ولسانه ويده وزهده، وإن كان الرجل ليطلب الباب من أبواب العلم فيعمل به، فيكون خيرًا له من الدنيا وما فيها، لو كانت له لجعلها في الآخرة.
50- أخبرنا أبو بكر، أخبرنا أبو سعيد المفضل بن محمد اليماني -في المسجد الحرام -, أخبرنا محمد بن ميمون الخياط، قال: سمعت ابن عيينة يقول: إذا كان نهاري نهار سفيه وليلي ليل جاهل، فما أصنع بالعلم الذي كتبت.
51- أخبرنا أبو بكر، أخبرنا أبو جعفر أحمد بن يحيى الحلواني، أخبرنا يحيى بن عبد الحميد الحماني، أخبرنا أبو بدر، أخبرنا زياد بن خيثمة، عن أبي إسحاق، عن عاصم بن ضمرة، عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال: ألا أنبئكم بالفقيه حق الفقيه، من لم يُقنط الناس من رحمة الله، ولم يرخص لهم في معاصي الله، ولم يؤمنهم مكر الله، ولم يترك القرآن رغبة عنه إلى غيره، ولا خير في عبادة ليس فيها تفقه، ولا خير في تفقه ليس فيه تفهم، ولا خير في قراءة ليس فيها تدبر.
52- أخبرنا أبو بكر، أخبرنا أبو بكر عبد الله بن عبد الحميد الواسطي، أخبرنا هارون الحمال، أخبرنا سيار، أخبرنا جعفر بن سليمان، أخبرنا مطر الوراق، قال: سألت الحسن عن مسألة فقال فيها، فقلت: يا أبا سعيد! يأبى عليك الفقهاء ويخالفونك، فقال: ثكلتك أمك مطر، وهل رأيت فقيهًا قط؟ وهل تدري ما الفقيه؟ الفقيه الورع الزاهد الذي لا يسخر ممن أسفل منه، ولا يهمز من فوقه، ولا يأخذ على علم علمه الله حطامًا.
53- أخبرنا أبو بكر، أخبرنا عمر بن أيوب السقطي، أخبرنا الحسن بن عرفة،
أخبرنا المبارك بن سعيد، عن أخيه سفيان الثوري، عن عمران المنقري، قال: قلت للحسن يومًا في شيء قاله: يا أبا سعيد! ليس هكذا يقول الفقهاء ، قال: فقال: ويحك, أَوَرَأيت أنت فقيهًا قط! إنما الفقيه الزاهد في الدنيا، الراغب في الآخرة، البصير في أمر دينه، المداوم على عبادة الله عز وجل.
54- أخبرنا أبو بكر، حدثنا أبو محمد يحيى بن محمد بن صعد، حدثنا الحسين بن الحسن المروزي، حدثنا عبد الله بن المبارك، حدثنا الحكم، عن موسى بن أبي كردم, كذا، وقال غيره: ابن أبي درم عن وهب بن منبه، قال: بلغ ابن عباس عن مجلس كان في ناحية بني سهم يجلس فيه ناس من قريش يختصمون، فترتفع أصواتهم، فقال ابن عباس: انطلق بنا إليهم، فانطلقنا حتى وقفنا، فقال ابن عباس: أخبرهم عن كلام الفتى الذي كلم به أيوب في حاله. قال وهب: فقلت، قال الفتى: يا أيوب أما كان في عظمة الله وذكر الموت ما يكل لسانك ويقطع قلبك ويكسر حجتك. يا أيوب أما علمت أن لله عبادًا أسكتتهم خشية الله من غير عي ولا بكم، وأنهم هم النبلاء الفصحاء الطلقاء الألباء العالمون بالله وآياته، ولكنهم إذا ذكروا عظمة الله انقطعت قلوبهم, وكلت ألسنتهم، وطاشت عقولهم وأخلاقهم فرقًا من الله وهيبة له، وإذا استفاقوا من ذلك استبقوا إلى الله عز وجل بالأعمال الزاكية، لا يستكثرون لله كثيرًا، ولا يرضون له بالقليل، يعدون أنفسهم مع الظالمين الخاطئين، وإنهم لأنزاه أبرار، ومع المضيعين المفرطين، وإنهم لأكياس أقوياء ناحلون دائبون، يراهم الجاهل فيقول: مرضى, وليسوا بمرضى، قد خولطوا، وقد خالط القوم أمر عظيم.

عنوان الكتاب: أخلاق العلماء
تأليف: محمد بن الحسين بن عبد الله الآجري (ت: 360هـ)
دراسة وتحقيق: بشير محمد عيون
الناشر: مكتبة دار البيان - دمشق الطبعة الأولى 1423هـ - 2002م
عدد المجلدات: [ 1 ]
عدد الصفحات: [ 191]
للاطلاع على الكتاب إليكم الرابط :http://raqamiya.mediu.edu.my/BookRead.aspx?ID=2798
حنان طه غير متصل  
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
أخلاق, العلماء, كتاب:



المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
تنزيل كتاب أخلاق الطبيب pdf idccard الارشيف تجميع مواضيع المنتدى السابقة 1 07-06-2017 04:22 PM
تنزيل كتاب أخلاق القرآن عفو سلام رحمة pdf idccard الارشيف تجميع مواضيع المنتدى السابقة 1 06-19-2017 04:52 PM
كتاب: أخلاق العلماء حنان طه الارشيف تجميع مواضيع المنتدى السابقة 1 01-23-2013 11:55 PM
ツ -- قواعد أخلاق المسلم - - ツ】‏‏ غربة الارشيف تجميع مواضيع المنتدى السابقة 1 03-26-2010 01:34 AM

Ads Organizer 3.0.3 by Analytics - Distance Education


Rss Rss 2.0 Html Xml Sitemap sitemap
منتديات مصادر التعلم المتخصصة,منتديات مصادر التعلم منتديات مصادر التعلم - الأرشيف إحصائيات الإعلانات - بيان الخصوصية